دار هذا الحوار بين أكرم ووالده: الوالد: كم تبقى معك من النقود يا أكرم بعد أن اشتريت اللبن؟ أكرم: لم يتبقى شيء. الوالد متعجبًا: كيف؟
من المفترض أن يكون هناك نقود متبقية.
أكرم في لامبالاة: لقد اشتريت بها حلوى.
الوالد وقد بدت عليه علامات الغضب: ماذا؟! فعلت ذلك بدون إذني، أنت ولد سيئ قليل الأدب، وسأعلمك كيف لا تفعل ذلك مرة أخرى.
ثم قام الوالد غاضبًا وأحضر عصاه، وانهال على أكرم ضربًا.
رد الفعل المباشر وتعديل السلوك:
يميل بعض الآباء عند رؤية سلوكيات أبنائهم السيئة، إلى الصراخ والضرب، وإذا أردنا أن نشبه تلك التصرفات للآباء.
فهي تشبه البنزين عندما يوضع على النار، فلا يزيدها إلا اشتعالًا، (وإذا أراد الآباء لنار السلوكيات السيئة أن تنطفئ، فإن لذلك سبيل واحد هو التوقف عن التوبيخ والصراخ، والبداية في طريقة أخرى للعلاج ـ
فلا تُصحِح الأخطاء عبر التحقير والتشهير والسخرية، ولا تعطي محاضرات التوبيخ والغضب.
ولا الضرب أيضًا ـ هذه الطريقة الجديدة تكون عبر الفهم لدوافع تلك السلوكيات السيئة وما وراءها) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(133)].
إن الخطأ أيها الآباء لا يزال بخطأ مثله، فابنك الحبيب بشر، والبشر يخطئ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
إذًا فيجب أن تعلم أيها الوالد أن ابنك عندما يخطئ، فذلك شيء لا يُعد جريمة كبرى، بل إن هذا طبيعي لأن ابنك لا زال عمره صغير، ويحتاج إلى من يرشده إلى الأفعال الحسنة، ويبعده عن الأفعال السيئة.
والسؤال الذي يدور في ذهنك الآن، كيف أتعامل مع السلوك السيئ لولدي؟
هناك بعض الأشياء التي يجب أن تتحلى بها وأنت تعالج السلوك الذميم لولدك، فمنها:
لا تفضح ولدك:
الستر أمر شرعي على أي مسلم يظهر منه الصلاح، ولم يقم بالمجاهرة بخطئه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة) [متفق عليه].
ومن هذا المنطلق وجب علينا الستر على أولادنا وعدم فضح أخطائهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كانت فلسفته في التعامل مع أخطاء الصحابة أو إذا بلغه أن هناك من يفعل شيئًا سيئًا.
كان لا يصرح بأسمائهم، ولكن يلمح فيستر عليهم ويحصل مقصوده من النصيحة.
وليس أدل على هذا قصة الثلاثة الذين أتوا إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوا عن عبادته فكأنهم تقالُّوهاز
فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم فلا أفطر.
وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا) ثم قال: (ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) [متفق عليه].
ومن ثم يجب علينا أن ندرك إيمكانية وقوع أبنائنا في الزلل، فإذا حدث وأخطأوا فيجب أن نستر عليهم وأن نعالج الأخطاء بيننا وبينهم بحكمة، ولا نقوم بفضحهم ولا نتحدث عن أخطائهم في كل مناسبة.
(فالمربي الحكيم يتغاضى أحيانًا عن الهفوة وهو كاره لها؛ لأنه يدرك أن استمرار التأديب عليها قد يُحدث رد فعل مضاد في نفس المتربي، ولكن إهمال التأديب ضار أيضًا.
ومن هنا تظهر حكمة المربي وخبرته في معرفته الوقت الذي يجب فيه أن يتغاضى، والوقت الذي لابد فيه من التأديب، فالتغالضي شيء.
والغفلة عن النقائص شيء آخر، فالأول قد يكون مطلوبًا بين الحين والحين، أم الثاني فعيب في التربية خطير) [منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، (2 47-48)، بتصرف].
ذلك أن الغفلة عن الزلل والأخطاء والتستر عليها، يساعد في نموها وتكرارها مرة أخرة، حتى تكون المشكلة السلوكية السيئة التي قد تظهر فجأة في صورة فاجعة.
وما أجمل الحكمة التي تقول (إن الحرب نفسها لم تكن خطأ، ولكنها كانت نتيجة لتراكم ثلاثين سنة من الأخطاء) [مختصر دراسة التاريخ، أرنولد توينبي].
فالخلاصة أيها الوالد الكريم أن التستر على أخطاء الأبناء أمر خطير في التربية فمثلًا عندما تكتشف أن ولدك قد أخذ قلم زميله في المدرسة دون أن يعلم.
فكونك أن تتغاضى عن هذا الفعل يعتبر عيب كبير، ولكن لا تقم في نفس الوقت بالتشهير بابنك بأنه سارق وتفضحه في كل مكان، ولكن تتعامل بالحكمة مع هذا الفعل.
سياسة طي الملفات:
لقد الآن أيها المربي الفاضل أن الضرب والصراخ لا ينفع في تعديل سلوك الطفل، أيضًا من الأشياء التي يجب على المربين أن يضعوها في اعتباراهم وهم يقومون بتصحيح سلوك الابن هي "سياسة طي الملفات"، فماذا نقصد من تلك الجملة؟
إن الابن يصاب بإحباط كبير عندما ينبهه الأب على فعل خطأ حدث منه، ثم يبدأ الابن في اتباع نصائح ولده في تجنب هذا الفعل السيئ، وحينما يقع الابن في هذا الفعل مرة أخرى، تجد بعض الآباء يقومون بنعت الأبناء بألقاب تصيبهم بإحباط شديد مثل:
(ستظل دائمًا إنسان فاشل، أنت مستواك العقلي ضعيف بالمقارنة بإخوتك لذا لن تستطيع أن تستمر السلوك الحسن) وغير ذلك من الألقاب التي تصيب الابن بالإحباط.
(وهذا مؤذٍ جدًا، حيث أن الابن يُكوِّن صورته عن نفسه من خلال ما نقوله عنه.
بل ربما اتخذ ما نقوله عنه ذريعة للتهاون بالدراسة أو الاستمرار في ارتكاب أخطائه، فإن على الأبوين أن يحذرا الكلمات القادحة العابرة، فالابن يلتقطها، ويعمل فيها خياله، فتسبب له أرقًا وخوفًا.
والأهل غافلون لا يحسبون أنهم قالوا ما يسيء، فعلينا أن نتعامل مع أخطاء الطفل على طريقة "طي الملفات".
فإذا وقع في خطأ كبير أو صغير في مرحلة من مراحل حياته، ثم أقلع عنه صار لزامًا علينا أن ننسى ذلك الخطأ، وأن نساعده على نسيانه، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له) [دليل التربية الأسرية، د. عبد الكريم بكار، ص(166- 167)].
تعديل السلوك والدوافع اللاشعورية:
من الأشياء التي تساعدك أيها الوالد الحبيب في تعديل السلوك السيئ لطفلك، هي فهمك لدوافع طفلك اللاشعورية بمعنى عندما يتصرف ولدك بطريقة غير لائقة، عليك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة:
ـ لماذا فعل هذا السلوك السيئ؟
ـ هل يعاني من مشكلة أثرت على حدوث هذا السلوك؟
ـ هل علاقتي مع ولدي على ما يرام؟
ـ ما سر مبالغته في السلوك السيئ؟
وهكذا تسأل نفسك بعض الأسئلة التي تساعدك في فهم الدوافع اللاشعورية لسلوك ولدك، فالتوجيه والإرشاد الإنساني ليس معنيًّا بالسلوكيات الظاهرية فقط.
بل يُعتبر أن لكل سلوك دوافعه الداخلية التي تؤثِّر على الإنسان، وتدفعه للتصرف بشكل معين كنوع من التعبير عن هذه الدوافع، وفي أحيان كثيرة لا يكون الإنسان على وعي بهذه الدوافع.
وبما أن التوجيه الإنساني سيعضد من العلاقة بين المربِّي والمتربي، وسيجعل المربِّي أكثر قدرة على تحقيق أهداف العملية التربوية؛ فإنه سيضع هذا الأساس على سُلم الأولويات.
وسيحاول من خلاله أن يتفهم طبيعة السلوكيات والدوافع التي وراءها، ثم يحاول باستخدام الأساليب التربوية المختلفة تعديل هذه السلوكيات من خلال تغيير هذه الدوافع.
ويتضح هذا الأمر جليًّا في بعض المواقف؛ مثلما يحدث من الطفل الأول بعد قدوم طفل جديد للأسرة.
ويستحوذ على الاهتمام من الأبوين؛ فيبدأ الطفل الأول في القيام ببعض التصرفات، والتي لم يعتد عليها الأبوان من قبل، وقد يحاول إيذاء المولود الجديد لينال اهتمام الوالدين مرة أخرى.
فإذا تعامل الأبوان مع هذه التصرفات بمعزل عن الدافع اللاواعي لدى طفلهما الأول والذي يدفعه لمثل هذه الأمور؛ فسيخطئان بالتأكيد في وصف الحالة، ومن ثَم التعامل معها.
أما إذا أدركا حاجة طفلهما للشعور بالاهتمام، وأن هذه الحاجة هي الدافع الذي يحثُّه على مثل هذه التصرفات؛ فسيحسنا التعامل معه، ويعطياه المزيد من الاهتمام؛ مما يخفف من حدة هذه الأفعال.
ويدخل ضمن فهم الدوافع اللاوعية للسلوك الإنساني معرفة حاجات الطفل (فللطفل خلال نموه الكثير من الحاجات التي يحتاج لإشباعها.
وحيث الأسرة الوسط التربوي الأول الذي ينشأ فيه، فهي معنية بإشباع تلك الحاجات، والتي تأتي في جوانب متعددة؛ فمنها: الحاجات الجسمية، والحاجات العقلية، والحاجات الخلقية.
وغيرها من الحاجات التي تؤهله لاكتساب القيم؛ كالحاجة للأمن، والتقبُّل الاجتماعي، والحاجة للحب، والحاجة للعطف، والحاجة إلى الشعور بالنجاح، والحاجة لتعلم السلوك، وغير ذلك من الحاجات.
وحينما تتحقق تلك الحاجات للطفل؛ فإنه يكتسب الشخصية المتوازنة التي تساعده في الاكتساب القيمي السليم للسلوك الصحيح.
وهنا يبرز دور الأسرة لإشباع تلك الحاجات، لينشأ الطفل ذو شخصية متوازنة متكاملة؛ مما يساعده على النمو الاجتماعي والخُلُقي السليم) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى، ص(114)].
ماذا بعد الكلام؟
ـ من المهم جدًا ألا تكون سريع الانفعال تجاه سلوكيات ولدك السيئة فتقوم بالصراخ والضرب، فهذا لن يجدي نفعًا، فعندما يفعل ولدك ما يغضبك، قم بتحليل ما فعل لمعرفة الأسباب الحقيقية وراءه، ومن ثم تعامل معه بحكمة.
ـ لا تنعت ابنك ببعض الجمل التي من الممكن أن تسبب له بعض المشاكل النفسية مثل: (ستظل فاشلا، لن نتجح أبدا في شيء،... )، بل عليك أن تصبر على تدريبه حتى يكتسب ولدك السلوك الحسن.
المصادر:
• اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري.
• تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى.
• دليل التربية الأسرية، د. عبد الكريم بكار.
• مختصر دراسة التاريخ، أرنولد توينبي.
• منهج التربية الإسلامية، محمد قطب.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام